تكتب مويا سارنر، المعالجة النفسية في هيئة الصحة البريطانية، عن رحلتها الطويلة مع جسدها، وكيف تحوّل النظر إليه من وسيلة إلى كيان حيّ يشاركها الوجود. تقول إنها عادت لتوّها من جولة جري بعد انقطاع دام عشر سنوات، وإن الدافع هذه المرة لم يكن الرشاقة أو الهروب من القلق، بل الرغبة في الاعتناء بصحتها الجسدية. تصف دهشتها من هذا التحول البسيط في الدافع، وكيف جعلها تعيد التفكير في علاقتها بجسدها طوال حياتها.
بحسب ما نشرته الجارديان، ترى سارنر أن كثيرين يتعاملون مع أجسادهم كأدوات تنفذ أوامر العقل، لا كجزء أصيل من الذات. كانت هي نفسها تجري لتبدو أنحف، أو لتكبح توترها، أو لتتفوق على نفسها. لكن بعد سنوات من التجربة والتحليل النفسي، أدركت أن جسدها ليس مجرد وعاء للإنجاز أو الرغبات، بل هو هي، بمعناها الكامل. تقول: “لم أكن أحترم جسدي، كنت أستخدمه فقط، دون أن أراه كشريك في الحياة.”
تستعيد الكاتبة النقاش الفلسفي القديم حول الانقسام بين العقل والجسد، وتشير إلى ما طرحه سيغموند فرويد من أن كليهما يتطور معًا منذ الطفولة. فالرضيع، حين يشعر بالجوع، يبدأ وعيه بالتكوّن من خلال الإحساس الجسدي نفسه. الجسد، عبر احتياجاته، يعلّم العقل كيف يفكر ويشعر، والعقل بدوره يغذي الجسد عبر الرغبة والإصرار والتجربة. العلاقة بينهما، كما تصفها، تشبه الحلزون المزدوج في الحمض النووي: متداخلة لا يمكن فصلها.
لكن خلال جلساتها العلاجية، بدأت تلاحظ نوعًا آخر من العلاقة بين العقل والجسد، علاقة غير متوازنة. تقول إن عقلها كثيرًا ما استخدم جسدها كمخزن للمشاعر التي لم تستطع تحملها ذهنيًا. بدلًا من مواجهة الخوف أو الغضب أو الحزن، كانت تدفع هذه الأحاسيس إلى جسدها لتتحول إلى أعراض بدنية. ذات مرة أصيبت بعسر هضم حاد لم يكن له سبب عضوي. اكتشفت لاحقًا أنه انعكاس لمشاعر مكبوتة لم تستطع "هضمها" نفسيًا. حين واجهت هذه المشاعر وتحدثت عنها، اختفى الألم.
تتذكر أسوأ نوبة أصابتها حين لم تنم لأيام بسبب الحموضة الشديدة، فظنت أنها ستفقد عقلها. أظهرت الفحوص الطبية أن جسدها سليم، لكن الطبيب الآخر أخبرها أن السبب نفسي، وهو ما أكده محللها النفسي لاحقًا. تقول إنها صُدمت في البداية، لكنها شعرت بصدق الفكرة، لأن الجسد كان يصرخ بما لا تستطيع عقولنا قوله.
ترى سارنر أن الناس يرفضون أحيانًا فكرة أن لأعراضهم الجسدية جذورًا نفسية، ويعتبرون ذلك إهانة أو تقليلًا من معاناتهم. لكن الحقيقة، كما توضح، أن الألم النفسي قد يتجسد ماديًا. الجسد لا يخترع المرض، بل يعبّر عن وجعٍ آخر لا يجد لغته. لهذا السبب، ترى أن المجتمعات التي تهمّش العلاج النفسي ترتكب خطأً فادحًا، لأنها تتجاهل نصف الحقيقة. تقول إن الثقافة الحديثة تقدّس الجسد وتهمّش العقل، فتهتم بالشكل الخارجي وتنسى الإصغاء إلى ما يختبئ في الداخل.
تعترف الكاتبة بأنها أدركت أن بناء حياة أفضل لا يحدث عبر التحكم في الجسد أو مقاومة الألم، بل عبر احترام العلاقة بين الاثنين. فالعقل الذي يستغل الجسد لتفريغ القلق، والجسد الذي يردّ بالمرض، كلاهما يصرخ لطلب الموازنة. حين وعت هذا الترابط، تغيّر شعورها بالركض. لم تعد تركض لتفوز أو تهرب، بل لتعيش بانسجام مع ذاتها. تقول: “الجري هذه المرة كان مختلفًا، بلا ضغط أو مقارنة. شعرت أني أتحرك مع الحياة لا ضدها.”
حين عادت إلى المنزل منهكة وعرقها يقطر، جلست تكتب ما اختبرته لتحتفظ باللحظة قبل أن تبهت. كانت تفكر في مرور السنوات وكيف يتغير منظور الإنسان لجسده مع العمر. فالمراهق يركض ليثبت نفسه، والشاب يركض ليهرب من قلقه، أما الناضج فيركض ليحيا أطول وبهدوء أكبر. في النهاية، تدرك سارنر أن “الاكتمال” لا يعني الجسد المثالي ولا صفاء الذهن، بل التصالح بين الاثنين.
تختم بقولها إن العيش بوعي داخل الجسد هو شكل من أشكال الحكمة، لأن الجسد لا يكذب. كل وجع أو توتر أو خدر رسالة من الذات إلى الذات. وعندما نصغي لها، نصبح أكثر صدقًا واتساقًا، لا مع الآخرين فقط، بل مع الحياة نفسها.
https://www.theguardian.com/lifeandstyle/2025/oct/20/feel-like-your-mind-and-body-are-separate-heres-how-life-changes-when-we-become-whole

